بمناسبة يوم العلم 16 من أفريل أتمنى لكل أسرة الأنوار سنة سعيدة مليئة بالعلم والمعرفة مع مزيد من التفوق والنجاح المستمر، وأقترح عليهم نبذة مختصرة من حياة أهم علماء الجزائر في العصر الحديث.
الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس:
ولد بمدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري يوم الأربعاء 04 ديسمبر من عام 1889 نشأ في بيئة علمية، فقد حفظ القرآن الكريم وهو ابن ثلاثة عشرة سنة، ثم تتلمذ على يد الشيخ أحمد أبوا حمدان الونيسي، فكان من أوائل الطلبة، وأهم ما يعرف عنه أنه أخذ عن معلمه الوصية التالية:( اقرأ العلم للعلم لا الوظيفة) بل وزاد على ذلك أن وعده ألاّ يقرب وظيفة عند فرنسا.
حياته:
بدأ الشيخ رحلته العلمية الأولى من تونس، في رحاب جامع الزيتونة، حيث تفتحت آفاقه وعبَّ من العلم ما عبَّا، وفيها انكشفت معالم شخصيته وميولاته الإصلاحية النابذة للتقليد، وأخذ عن قدوته الشيخ الطاهر بن عاشور ما أخذ بل واسترسل في ذلك إلى أن عشق العربية وأدرك مواطن حسنها التي خفيت على العديد من العلماء في عهده.
بعد تخرجه من الزيتونة عام 1912 وعودته إلى الجزائر زاول مباشرة التدريس في قسنطينة إلى أن مُنع من قبل خصوم الإصلاح من ذلك، فقرر العودة إلى خوض رحلة معرفة جديدة، هذه المرة الوجهة كانت نحو أقطار المشرق العربي الكبير وبالتحديد نحو البقاع المقدسة حيث استقر بالمدينة بعد أداء مناسك حجه مدّة ثلاثة أشهر، أين التقى برفيق دربه الشيخ البشير الإبراهيمي. ثم واصل رحلته قاصدا الحجاز ومصر، ليعود بعدها إلى الجزائر متخذا المسجد مقرا له لتبليغ رسالته المقدسة الموجهة إلى الصغير قبل الكبير، لتتبلور عنده بعدها فكرة إنشاء جمعية العلماء المسلمين، ومن أجل تحقيق هذا الهدف السامي لجأ إلى الصحافة وأصدر العديد من الصحف التي غُلقت جميعها لأسباب متعلقة بالضغط الفرنسي على الشيخ وأصحابه.
ويذكر من مواقفه في هذه المرحلة مقولته الشهيرة لوزير الحربية الفرنسي دلادييه (إن لدينا مدافع أطول) رادا بذلك على تهكم الوزير الفرنسي بقوله:( لدى فرنسا مدافع طويلة)، قاصدا من ذلك مدافع الله التي لا تقهر. توفي الشيخ بعد مشوار علمي طويل سنة 1940 و خرج الشعب القسنطيني لتشييع جنازته التي لم تشهد المدينة مثلها من قبل.
من أهم آثاره وعده للشعب القسنطيني قائلا: (إني أعاهدكم على أن أقضي بياضي على العربية و الإسلام كما قضيت سوادي عليهما وإنهما لواجبات....وإنني سأقضي حياتي على الإسلام والقرآن ولغة الإسلام والقرآن وهذا عهدي لكم) وصدق الرجل وعده حقا
مناهج ابن باديس:
عرف الشيخ بشخصية ثرية يصعب الإلمام بجميع جوانبها في مقال واحد، نذكر منها حسب مقتضى المقام: أنه مجدد ومصلح يدعوا إلى نهضة المسلمين، ويعلم أساليبها وطرق إدراك فحواها. وهو عالم مفسر، فسر القرآن كله في خمس وعشرين سنة من خلال دروسه اليومية، كما شرح موطأ الإمام مالك، وعرف عنه أيضا أنه سياسي بارع، فقه السياسة الإسلامية وأدرك مواطن القوة فيها، ودرّسها لأجيال تلت فهو المعلم قبل أن يكون أيّ شخص آخر ، و هو الأستاذ منشأ المدارس التي ربت جيل النهضة و الانتفاضة على المستعمر المستبد فقد كان منهجه في تربة الأجيال أن لا يتوسع للطفل في العلم ، بل يربيه على فكرة صحيحة مبنية على أساليب التلقي التي أوردها في جل كتاباته. وقد خلّف خمسة من أهم كتب التفسير والفقه يستفاد منها ويعتمد عليها ويُرجع إليها في أحسن المعاهد العربية اليوم. ونسأل الله أن يوفقنا فننهل من خيرات ما خلّف لنا، ونحمي الأمانة التي سيسألنا جميعا عنها يوم القيامة.
إخوتي وأحبتي في الله أتمنى عليكم أن لا تنسوا طلبة العلم في كل البلاد الإسلامية وخاصة المقبلين منهم على مناقشات التخرج بصالح دعواكم. آمـــــــــــــــــــين