** لوننا... وألوانهم . **
في عالم الرياضة والرياضيين تتمايز الفرق ويتمايز المتنافسون على المراتب الأولى وجوائزها بألوان مختلفة تصنعها ألبستهم و كذلك الشأن في عالم الصناعات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة فإن كل مؤسسة تحترم نفسها تتخذ لها لونا أو شعارا يميزها عن غيرها ويجعلها تستقل بنفسها وسط هذا الزخم الهائل من الأسماء والألوان والشعارات
هذه المميزات الظاهرة والمتنوعة تجعل المتابع لهذا العالم الرياضي أو ذاك العالم الصناعي أو غيره من العوالم لا يجد اية مشقة في التفريق بين فريق وفريق أو مؤسسة ومؤسسة وهكذا ....
حتى في عالم الأفكار والملل والنحل والأديان – وهذا بيت القصيد في خط هذه الأسطر – قلت : حتى في هذا العالم لا يجد المتابع للأديان والأفكار صعوبة في التعرّف على من زعم لنفسه الإلحاد وراح يعلنه ويعيشه ويدعو إليه أو من زعم لنفسه النصرانية وأعلا لواءها في أقواله وأفعاله وعاداته وتقاليده أو زعم لنفسه اليهودية وجعلها عنوانا لحركاته وسكناته و يقظاته ونوماته في السياسة والاقتصاد والثقافة وسائر شؤون الحياة
بل حتى الذين يعبدون الوثن * بودا * يظهر لونهم للناس واضحا وبلا حرج أو استحياء في لباسهم وطقوسهم ورئيسهم ومرؤوسيهم .
كل هؤلاء وأولئك لا يدخرون أي جهد في إبراز ألوانهم وعقائدهم وأفكارهم والعيش بها والدعوة إليها والذود عنها ولا يصفهم أحد من الناس بالرجعية أو التخلف أو التعصب والتشدد ولو عبدوا الديدان والفئران و الرجس من الأوثان فكل ذلك عند القوم حرية تعبير وتديّن محفوظ مقدس مصان
وأن يفخر الإنسان بما أحب وملك وما به آمن واقتنع هذا أمر نتفهّمه وإن اختلفنا معهم في الأصول والفروع فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر نعم هي سماحة الإسلام التي تجعلنا نتقرّب إلى الله باحترام الآخر ما لزم الاحترام لنا وليعبد ما شاء فلا إكراه في الدين ولسنا هنا في مقام لومهم أو الإنكار عليهم خاصة وأنهم ينتصرون لأفكارهم وميراثهم وتراثهم فهذا موضوع آخر ؛إنما اللّوم كلّ اللّوم والعذل كلّ العذل على من فرّط في دين أكمله الله له ونعمة أتمّها الله عليه وضيّع نورين وأمرا بيّنا كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم و أَتَسْتَبْدِلُو الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ و بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ فاستحقوا بذلك سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا عن آيات الله يَصْدِفُونَ .
[rtl]
وإن تعجب فعجب أمرنا نحن معشر المسلمين بين كل هذه الألوان التي تمايزت حيث لا لون لنا وبين كل هذه الأطياف التي انتشرت حيث لا طيف لنا فسياستنا بلا لون واقتصادنا بلا لون وثقافتنا بلا لون وهكذا فإن جميع أمورنا وشؤوننا مازالت عند حاكمنا و محكومنا لا يظهر عليها لوننا ولا ترفع فيها شعاراتنا والويل ثم الويل والثّبور ثمّ الثّبور لمن تسوّل له نفسه أن [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فيقول أنا مسلم في الحكم والسياسة أو مسلم في الاقتصاد والمال أو مسلم في الثقافة والتربية والأخلاق فذلكم الجرم العظيم والإثم الشنيع ...حتى صار ديننا نفسه عند من باعه بعرض من الدنيا قليل بلا طعم جعل الكثير منا إذا قرأ قرآناً لم يشعر بشيء، وإذا ذكر الله لم يشعر بشيء، و إذا صلى لم يشعر بشيء وإذا صام لم يشعر بشيء لأنه صار محروما وعن الله محجوب ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ سورة المطففين[/rtl]
[rtl]إن اختفاء لوننا بهذا الشكل المريع والفاحش من مشهد الحياة والدنيا والدين جعلنا لا نعرف أنفسنا فصدق فينا قول ربنا ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ سورة الحشر 19 كما جعل غيرنا لا يرانا بالمرة فيتعرف علينا ومن ثم يحترمنا ويحسب لنا حسابا كلا إن القوم لا يرقبون فينا إلا وذمة ومن يهن يسهل الهوان عليه[/rtl]
ارتفاع للأسافل وإهمال للثّقاة والكفاءات وتوسيد للأمور إلى غير أهلها حتى ثارت ثائرة بن الرومي فقال :
نحن أحياء على الأرض وقد خسفَ الدهر بنا ثم خَسف
أصبح السافلُ منا عالياً وهوى أهل المعالي والشرف
ربِّ أنصفني من الدهر فما ليَ إلا بك منه منتصَف
فاستجب يا ربِّ وارحم دعوة ً من لهيف القلب ذي دمعٍ ذَرِف
وأَدِلْنا من زمان جائرٍ واسمعن يا رب منا وانتصِف
من غَشومٍ كلما لِنَّا له زاد بغياً وتمادى في العُنف
يسفُل الناس ويعلو معشرٌ قارفوا الأقرافَ من كل طرف
ولعمري إن تأملناهُمُ ما عَلوا لكن طفوْا مثل الجيف
جيف تطفو على بحر الغنى حين لاتطفو خبيئاتُ الصدف
فاسمحوا لي أن أقرر وبلا تردد أن اختفاء لوننا هو سبب هذا الوبال الذي حل بنا والضعف والتخلف الذي يصابحنا ويماسينا ويراوحنا ويغادينا رغم ما نملك من الثروات والثقافات ...فشأننا كالفقر الذي يمشي على أرض من ذهب
إن لوننا الذي به عزنا وشرفنا وعظيم مجدنا إنما هو ملة إبراهيم وذكر الله الحكيم وسنة إمام الأنبياء والمرسلين ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾النساء 125﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾آل عمران 95 ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ الزخرف ولنقف عند هذه الحكمة النبوية البالغة قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: طَلَبْتُ خُطَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجُمُعَةِ فَأَعْيَتْنِي فَلَزِمْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ لَكُمْ عِلْمًا فَانْتَهُوا إِلَى عِلْمِكُمْ، وَإِنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى نِهَايَتِكُمْ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ بَيْنَ أَجَلٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي كَيْفَ صَنَعَ اللهُ فِيهِ، وَبَيْنَ أَجَلٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي كَيْفَ اللهُ بِصَانِعٍ فِيهِ، فَلْيَتَزَوَّدِ الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ، وَمِنْ دُنْيَاهُ لِآخِرَتِهِ، وَمِنَ الشَّبَابِ قَبْلَ الْهَرَمِ، وَمِنَ الصِّحَّةِ قَبْلَ السَّقَمِ، فَإِنَّكُمْ خُلِقْتُمْ لِلْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا خُلِقَتْ لَكُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ مُسْتَعْتَبٍ وَمَا بَعْدَ الدُّنْيَا دَارٌ إِلَّا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ " رواه البيهقي في شعب الإيمان
فهلا ّ عرفنا لوننا وتجملنا به .
الأستاذ حمري محمد أبو إسلام