حمري محمد
عدد المساهمات : 167 نقاط : 10158 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 28/12/2010 العمر : 52
| موضوع: نَفِرّ من قدر الله إلى قدر الله السبت أكتوبر 18, 2014 3:35 pm | |
| نَفِرّ من قدر الله إلى قدر الله رفض الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه السفر إلى بلاد الشام لما ظهر فيها الطاعون فقيل له: تفر من قدر الله ؟ قال: نفر من قدر الله إلى قدر الله .إن الأخذ بالأسباب حق، وهو من القدر كما يقول عمر رضي الله عنه ولا نكون مبالغين إذا قررنا أن استشراف المستقبل وبذل الجهد العلمي و الفكري والمادي والمعنوي للتحقّق بالصلاح وتحقيق الإصلاح في النفس والفرد والأسرة والمجتمع والأمة ..! كل ذلك من العبادات التي أمرنا شرعا بالتجمّل بها تقرّبا إلى الله الذي خلق الأسباب والمسببات وجعلها من حكمته البالغة في هذا الوجود فقال : ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ سورة القمر 49 ثم أصدر الأمر التعبدي إلى المسلم خاصّة بالإعداد والأخذ بالأسباب فقال له ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾سورة الأنفال 60 ولأن الإعداد والتّخطيط في شرع الله وعقيدة لا إله إلا الله ليس مجرّد تفكير وتنظير بل عمل وجهاد طويل المدى جاء الأمر المكمّل في قوله تعالى ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ سورة التوبة 105 ما قيمة القرآن وهو تخطيط الحكيم العلاّم إذا لم يحرّك الإيمان المخدّر فينا ؟ إذا لم يحوّلنا إلى عناوين صحيحة على ديننا الذي يدعو الناس بالحال قبل المقال . إن المقصد من نزول هذا القرآن أن تتحول الآيات والنظريات المودعة فيه إلى مسالك وأخلاق و جهاد وأعمال في جميع فصول حياة المسلم ليصير بعد ذلك من حقّه أن يطمح إلى نهضة وعزّة فالنهضات الإنسانية ليست مجرد كتبا تقرأ وما أكثر ما يقرأ أو نظريات تحفظ وما أكثر ما يحفظ ولكنها أحوال وأخلاق والأمم الهابطة والمتخلّفة تهتم عادة بالشكل وتهمل الجوهر و الموضوع . جاء في كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي قال أبو جعفر الشّيباني: أتانا يوماً أبو مَيَّاس الشاعر ونحن في جماعة، فقال: ما أنَتم " فيه " وما تتذاكرون؟ قلنا: نَذْكُر الزمان وفَساده؟ قال: كلا، إنما الزمانُ وِعاء وما ألْقِي فيه مِن خَيْر أو شرّ كان على حاله، ثم أنشأ يقول: أرَى حُللاً تُصان على أناسٍ ... وأخلاقاً تُدَاسُ فَما تُصَان يَقولون الزمانُ به فَسادٌ ... وهُم فَسدوا وما فَسد الزمان وأنشد أبو بكر بن دريد: مشى فوقه رجلاه والرأس تحته ... فكبَّ الأعالي بارتفاعِ الأسافلِ ثم نقرأ في كتاب الله دعوة عامة لعالمي الإنس والجن بالانخراط في هذه السنة الكونية المتمثلة في الأخذ بالأسباب لبلوغ الأهداف والغايات مهما صغرت أم عظمت في قوله تعالى ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾ الرحمن 33 رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: مَعْنَاهُ: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَاعْلَمُوا وَلَنْ تَعْلَمُوهُ إِلَّا بِسُلْطَانٍ أَيْ بِبَيِّنَةٍ مِنَ الله عز وجل. مختصر تفسير البغويهذا شرع ربنا ينطق بيننا بالحق فهل قرأناه ..وفهمناه ..وامتثلناه..!؟ هل نفْعَه وفوزَه ونصرَه وعزَّه حزناه..؟ أما الإنسان الغربي الذي عادة ما نصفه بالكفر والشرك والإلحاد وغيرها من الصفات التي تجعل صلته بالله وشرع الله مقطوعة فقد استطاع أن يطير في الفضاء ويحلق في الهواء ويغوص في الماء ...ويسخّر المادة بكل أنواعها لصالحه وصالح بني جنسه وأفكاره وغاياته وأهدافه وهو يحقق الإنجاز بعد الإنجاز في مجالات الحياة العلمية والتقنية وغيرها مستجيبا بذلك لدعوة الله إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا .أما حالنا نحن معشر المسلمين فغير ذلك تماما وهو لا يخفى على صديق و لا عدو؛ لم نرفع بالقرآن رأسا ولم نصنع بعلمنا فأسا ولم نكف بتوكلنا بأسا ولم يشفع لنا في عالم الناس كوننا من الذين آمنوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ﷺ نبيا ورسولا وبالقرآن وحيا وشرعا . فهل العيب في القرآن حاشاه إنما العيب في تقصيرنا عن بذل ما بذل غيرنا من أسباب النهوض والارتقاء . إن الله عز وجل أودع في الأشياء خصائص لا تنفك عنها والناس في تعميرهم للأرض يتعرفون هذه الخصائص وينتفعون بها حسب جهدهم وطاقتهم و تجاربهم ومعارفهم. وقد استطاعت الحضارة الغربية والمادية الحديثة أن تستكشف كثيرا من هذه الخواص ، وأن تستفيد منها في نواح شتى لماذا ؟ لأن الأمر ليست له صلة بإيمان وكفر أو طاعة ومعصية هذه سنن كونية غلاّبة كل من أخذ بها وصل ولو ألحد وكل من قصّر فيها تخلّف ولو وحّد .من هنا كان لزاما على كل مسلم أن يحترم هذه الحقائق ويلتزم بها وليس له- باسم الإسلام ـ أن يعطّلها أو يزيد عليها ما ليس منها ثم يطمع بعد ذلك أن ينظر الله إليه فيحقق له شيئا يذكر ..! ليس هذا من الدين ولا من التوكل ولا من التخطيط في شيء وهذا للأسف ما يتخبط فيه أغلب المسلمون وأغلب من ينتسبون إلى طريق الدعوة إن مقتضى الإيمان و حسن التوكل على الله تعالى لا يتعارضان مع قانون الأسباب والمسببات، ولا يعطّل قوانين الحياة التي أودعها الله في الأشياء منذ قال عزّ وجل :﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ سورة طه 50 .و إنّه من السّذاجة والغباء بمكان أن يعتقد مسلم مثلا أن المصحف في محلّه التجاري سيحقق له أرباحا في تجارته؛ هذه جهالة فادحة بسنن الكون وافتراء على دين الله لأن للربح في التجارة قانونا كونيا عنوانه العمل والنباهة والتفاني وحسن المعاملة والمراقبة لعالم المال والأعمال لا علاقة له بوجود المصحف في المحل أو عدم وجوده وإنما تكون علاقة المسلم بكتاب الله صحيحة يوم يتدبّره ويعمل به. إن الأعزب لن يُرزق ولدا، ولو ظل يدعو ألف عام ما لم يتزوّج وكذلك الدعوة لن تحقّق نصرا مادام أصحابها قابعين في محطة الانتماء إلى الإسلام لم يبرحوها إلى محطة الالتزام به .قال تعالى عن توكّل و عمل وجهد محمد سيد الخلق ﷺ ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾سورة الجمعة 2 قال علماؤنا : " التّلاوة " هنا ليست مجرّد كلمات منغومة تطرب لها الآذان بل هي بمعنى التخطيط وإعلان المبادئ أو ما يصطلح عليه بخارطة الطريق. وأما" يُزَكِّيهِمْ " فمقصود التزكية التربية المسماة عند الصوفية بالتخلية والتحلية و التي تعنى أن يتجمّل الإنسان بالفضائل التي لابد منها للكمال الإنساني وعلى رأسها التجرد بالقصد والغاية لله تعالى .وأما ُ"يعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ" فهي تعني أن العمل الصالح المتقبّل عند الله هو الذي وشّحه صاحبه و زيّنه بالفهم الصحيح والفقه الدقيق والعلم الوثيق لأن الحكمة لا تقوم مع الجهل والغباء." تلاوة " و"تزكية " و"حكمة " عناصر ثلاثة صنعت المسلم وأهّلته لصناعة الحضارة وقد صنعها فعلا أسلافنا و لا يصلح آخر هذه الأمّة إلا بما صلح به أولها..! ومن هنا فإني أقرر وبكل تواضع أن الذي يُعْوِزُ أمّتنا اليوم وينقصها في أفرادها وجماعتها و في حاكمها و محكومها وفي دعاتها ومَدْعوِّيها ... ليس التخطيط الذي هو بمعنى " التلاوة " كما أسلفنا إنما فقرنا لتزكية الأنفس وحملها على الحكمة لتتحقق بهذا التخطيط . إن حقيقة التوكّل في ديننا ليست تخطيطا بالقلم ولكنها تخطيط بالعمل ولنا عليها من شواهد الرجال شواهد فصلاح الدين الأيوبي رحمه الله الذي نقرأ عنه في سطر أو سطرين أنه حرّر بيت المقدس وقضي الأمر.! هذا الرجل الذي عزّ نظيره في مليار و600 مليون مسلم منا هل سألنا أنفسنا ماذا فعل ليقدم للأمة أعظم إنجاز في عصرها الحديث حتى نفعل مثل ما فعل ؟ يقرر التاريخ أنه خطط لهدفه بالعمل قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله : إذا كان الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله قد ألف كتابه " إحياء علوم الدين " كأن علوم الدين ماتت.. فإن صلاح الدين الأيوبي فعلا بدأ بعملية إحياء عملية جنّد العلماء لتدريس العقائد بين الجماهير، ولجمع العوام على معاقد الأخلاق، ومكارم الشّيم.. بعد ما محى مذهب الشيعة الذى كان يدرس في الأزهر.. وهل تنتصر أمة دون عقيدة ؟ وهل يقوم مجتمع بدون أخلاق ؟ إن الرجل بدأ البناء من الدّاخل.. جمع الناس على الإسلام، ثم خرج بهم ليناوش عدوّه.. كان على فرسه وهو يقود المسلمين.. لكن قلبه كان يدقّ خشوعا لله عز وجل، واستمدادا منه، وخوفا من غضبه، ورجاء في عفوه.. وكلما رأى الصليبيين يهجمون ويتقدمون يصرخ " كذب الشيطان " ويعود المسلمون مرة أخرى إلى الهجوم.. فلما طويت أعلامهم وانكشفت خيمة ملكهم هوى صلاح الدّين من على ظهر فرسه إلى الأرض ساجدا لله عز وجل من كتاب خطب الشيخ محمد الغزالي خطبة الجمعة عنوانها فلسطين .. الدّرة المغتصبة إن رسالة الإسلام حِمل ثقيل لا يستطيعه المهازيل﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ وسلعة غالية لا تحاز بالزعم والادعاء (ألا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَاليةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعةَ اللَّهِ الجَنَّةُ ) ويوم نكون رجالا سمعوا التلاوة وجسّدوا التّزكية ولزموا الحكمة يومها فقط نكون رجال. ورحم الله الشيخ البشير الإبراهيمي إذ يقول :الأدلة قائمة على أننا محرومون من أقوال الرجال وأعمال الرجال، أقوال الرجال مقرونة بالصدق والانجاز وأقوالنا لغو من الحديث يجري على الألسنة مثل برسام المحموم، وأعمال الرجال مقرونة بنتائجها الملموسة باليد، وأعمالنا عبث من المحاكاة فنحن صبيان في العمل وإن كنا رجالا في الصورة والمظهر. من كتاب: " آثَارُ الإِمَام مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي ".البرسام : ورم في الدماغ يتغير منه عقل الإنسان فيهذي ، ويقال لمن ابتلي به ( مُبَرْسم ) الأستاذ حمري محمد أبو إسلام | |
|
خديجة م مشـرف
عدد المساهمات : 556 نقاط : 10465 السٌّمعَة : 2 تاريخ التسجيل : 20/02/2011 العمر : 35
| موضوع: رد: نَفِرّ من قدر الله إلى قدر الله الثلاثاء ديسمبر 01, 2015 8:14 pm | |
| | |
|