تعريف الإعجاز العلمي: مركب من لفظين أولهما: الإعجاز وهو السبق والفوت، وهو أيضاً جعل الآخر عاجزاً، وثانيهما: العلم وهو كما يقول الأصفهاني: " إدراك الشيء على حقيقته" والعلم هنا المراد به ما كشفته العلوم التجريبية من حقائق كونية بحقائق مقررة في القرآن الكريم أو السنة النبوية، ووجه الإعجاز يتركب من ثلاثة عناصر:
عنصر الزمان، والرسول الأمي – صلى الله عليه وسلم – والكشف العلمي المتأخر.
وذلك أنه يستحيل عادة في ذلك الزمان أي زمان الوحي إدراك هذه الحقيقة بالوسائل البشرية المتاحة، ويستحيل في كل زمان أن يدركها رجل أمي – صلى الله عليه وسلم – لم يتعاط وسائل العلوم ومقدماتها الضرورية في كل زمان للوصول إلى نتائج معينة. أما العنصر الثالث فهو الاكتشاف المتأخر لهذه الحقيقة بما يتوافق وما ورد في كتاب الله تعالى.
موقف العلماء من الإعجاز العلمي: يمكن للناظر في أقوال العلماء في هذا النوع من الإعجاز أن يقسمها إلى ثلاثة أقسام هي:
القسم الأول: ينفي هذا النوع عن القرآن الكريم ويحتج لقوله بأدلة منها:
ـ عدم تنصيص القرآن الكريم والسنة النبوية عن هذا اللون ولو كان موجودا في كتاب الله لبيّنه.
ـ أن المكتشفات العلمية من عمل الإنسان وهي متغيرة بخلاف القرآن الكريم فثابت فلا يمكن إرجاع الثابت للمتغير
ـ أن القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد ولم يقصد بيان حقائق علمية.
ـ أن هناك الكثير من الاكتشافات العلمية التي تحمس أصحابها لنسبتها إلى كتاب الله ثم تبيّن بعد ذلك خطؤها
الفريق الثاني: كان على نقيض القول الأول فهو يرى أن القرآن الكريم يفيض بالآيات العلمية عن الكون ومراحل تكونه وظواهره المختلفة ، والسنن التي تحكم هذه الظواهر سواء بشكل صريح ومباشر أو غير مباشرة.
وعمدتهم في كل هذا قول الله تعالى : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ)(فصلت: من الآية53)
ـ كثرة الآيات التي تحث على ضرورة التدبر في الكون وما يحيط بالإنسان من مخلوقات.
ـ عدم وجود ما يمنع شرعا ولا عقلا من وجود هذا النوع في كتاب الله
ـ التصريح الظاهر في محكم التنزيل على بعض الحقائق العلمية التي لا يمكن إنكارها.
ـ أن العلم بمختلف تخصصاته والعلم التجريبي بشكل خاص لغة العصر، وميزان التقدم ، كما كانت البلاغة والفصاحة هي لغة العصر وميزان التقدم في العصر الجاهلي، فناسب أن يخاطب الناس في هذا العصر بلغتهم.
ورغم قوة الأدلة التي استدلوا بها إلا أن الملاحظ على أنصار هذا القسم التحمس الكبير للمكتشفات العلمية بحيث لا يكاد يعلن عن نتيجة من النتائج إلا وقالوا بوجود إشارة لها في الذكر الحكيم.
ومن هنا تعددت المؤلفات التي تتناول القرآن الكريم من وجهات أخرى مثل الفلك ، والطب والهندسة ، وعلوم النبات ، وطبقات الأرض ، إلى آخر ذلك ووصل الأمر إلى إنشاء المجامع العلمية ، ودور البحث المتخصصة في الإعجاز العلمي...
القسم الثالث: يعترف بهذا اللون ولكن يشترط أن يخضع هذا العلم لضوابط أهمها:
فمن هذه الضوابط:
1ـ أن يقتصر الإعجاز على الحقائق العلمية التي وصلت إلى حد القطع بها، بخلاف ما دون الحقائق من النظريات أو حتى ما قد يعتبره البعض حقيقة علمية ويخالفه آخرون؛ ذلك أن إقحام ما عدا الحقائق القطعية في الإعجاز مخاطرة ومجازفة تنقلب على تصديق الوحي بالتشكيك فيه
2ـ ألا يكون التفسير العلمي أو الوجه من أوجه الإعجاز العلمي مجزومًا به عند تفسير الآية أو الحديث، بل ينبغي أن يساق على أنه قول في تفسير الآية أو شرح الحديث.
فإن مما يلاحظ أن بعض من يذهب إلى التفسير العلمي للآيات أو الأحاديث يقطع بذلك، وقد يسوق أقوال المتقدمين في تفسيرها ثم يجعل التفسير العلمي هو القاطع لتلك الأقوال، والمرجح لواحد منها.
3ـ من الضوابط ألا يقتضي التفسير العلمي للآية نقض ما جاء عن السلف فيها، فإن كانوا قد أجمعوا على معنى فلا يكون مستلزمًا نقضه، وإن لم يجمعوا واختلفوا فلا يكون أيضًا مستلزمًا لنقض جميع ما ورد عنهم، بخلاف ما لو وافق البعض واستلزم نقض البعض الآخر، فذلك لا يمنع التفسير به.
3ـ ألا ينطلق التفسير العلمي التجريبي من منطلق الانبهار بالحضارة والمكتشفات المعاصرة، ومن ثم تسليم المطلق بها لما له من الأثر على التعسف في حمل النص على وجوه بعيدة.
4ـ ألا يعارض اللغة وقواعد النحو،والبلاغة القرآنية.
5ـ ألا يترتب عليه تحويل الاستشعار التعبدي إلى تمسك بالمادي، أو بمعنى آخر كتحويل العبادة إلى عادة أو استفادة مادية.
مثال ذلك: التفصيل في فوائد الصلاة المادية (سواء كانت فوائد صحية أو غيرها).
6ـ أن يكون وجه الإعجاز واضحًا وليست مجرد إشارة بعيدة.
7ـ لعدم الخوض في الآخرة وما يتصل بها كالبرزخ والقيامة لأنه تفسير لأمر غيبي مستقبل من علم الله تعالى
8ـ عدم الخوض فيما يتعلق بصفات الله تعالى، مما قد يفهم منه نوع من التأويل، كمثل من فسَّر الكرسي والعرش ببعض الأجرام السماوية، ونحو ذلك.
9ـ من ضوابط الإعجاز ـ أيضًا ـ عدم التأويل المتكلف، وأن الأصل ظاهر اللفظ ولا يعدل عن ظاهره إلا بقرينة قوية.
10ـ أن لا يتكلم في هذا النوع إلا من امتلك أهلية المفسر أو أن تكون الأبحاث مشتركة بين أهل التفسير والعلماء التجريبيين.