ولو كنت فظا غليظ القلب

مواصلة لسلسة القلوب أقترح عليكم موضوعا يكون سببا في غالب الأحيان لفراق الأحبة و الخلان هو موضوع غلظة القلوب الذي نسأل الله تعالى من خلاله الإستفادة
ما المقصود بـ "الفظاظة" و"اللجاجة"؟!!

الفظاظة" من "الفظِّ" ، وهي القسوة والإساءة ، ومنه قول الله تعالى : وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (آل عمران:159) .

أما "اللجاجة" ، فهي من "اللجاج" ، وهو التمادي في الخصومة .

والفظاظة - هنا- تترجم عبر إظهار الأخ الحدة والشدة والعنف في ثنايا كلامه عامة ، وعند محاورة ومناقشة أخيه الذي يختلف معه خاصة .

واللجاجة تترجم عبر تمادي ومبالغة البعض في خصومة من يختلف معهم في الرأي والاجتهاد ، فيجعل هذه الخصومة شغله الشاغل ، فيشعر من حوله أن خصومته ليست لبيان الحق ، وإنما للخصومة ذاتها؛ وذلك لأن الخصومة متى تولدت منها خصومة ، فهي خصومة حمقاء .


قبـح خُـلُق الفـظـاظة واللجـاجــة

لقد دل كتـاب الله ، وسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عـلى ذم خُـلُق الفـظـاظة واللجـاجة ، وهما خُـلُقان قبيحان تنفر منه النفوس السوية ، كما أنهما يورثان العداوة والشحناء ، والحقد والبغضاء ، ومن ثَم يتولد التقاطع ، والتدابر.

أما الفظاظة : ، فقد ذمها الله في كتابه ، فقال الله تعالى : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران:159).

قال ابن كثير في "تفسيره" 1/421 : "أي لو كنت سيئ الكلام ، قاسي القلب عليهم ، لا نفضوا عنك وتركوك ، ولكن الله جمعهم عليك ، وألان جانبك لهم تأليفا لقلوبهم" . اهـ.

كما ذم الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ الفظاظة ذما بليغا ، فعن حارثة بن وهب مرفوعا : "لا يــدخل الجنـة الجــوّاظ ، ولا الجَــعـْـظـري" ، قال ـ أي أحد الرواة ـ : الجواظ : الغليظ الفظ . رواه أبو داود ، والبيهقي في "الشعب" بإسناد صحيح.

أما ذم اللجاجة : ، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (البقرة:204) .

قال العلامة السعدي : في "تفسيره" ص93 : "أي وإذا خاصمته ، وجدت فيه من اللدد والصعوبة والتعصب ، وما يترتب على ذلك ما هو من مقابح الصفات ، ليس كأخلاق المؤمنين الذين جعلوا السهولة مركبهم ، والانقياد للحق وظيفتهم ، والسماحة سجيتهم". اهـ .

كما ذم نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ اللجاجة ، فقال : " أبغض الرجال إلى الله الألد الخَصم ". رواه الشيخان من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ .


السـبـيل لـعـلاج الفظـاظـة واللـجـاجــة :

لا يمكن علاج أدواء النفوس والسلوك إلا بعد أن يشخص المريض حاله ، ويقنع بحاجته للدواء من داء ألم به ، أما إذا كان في غفلة من مرضه ، فلا أمل في شفائه.

فإذا علم المريض بدائه ، وتوجهت همته إلى طلب الدواء ، فأبشر بالعلاج الشافي.

1 ـ تحكم في إربة نفسك ، فلا تنساق معها ، وكن أنت أقوى منها .

فعن أبي هريرة مرفوعا : "ليس الشديد بالصرعة ، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" . رواه الشيخان .

2 ـ تشبع بنقيض ما تريد الفرار منه ، ولو تكلفت ذلك .

فإن رغبت في معالجة الفظاظة ، فتكلف الحلم ، والسماحة .

وإذا أردت معالجة طبعك العنيف ، فتكلف الرفق ، واللين .

وإذا رجوت معالجة سجيتك القاسية ، فتكلف التراحم ، والشفقة .

وإذا كنت جادا في تجنب اللجاجة ، فانسحب من مناقشة من تلمس فيه العناد والمكابرة، أو عدم استجابته لحسبتك ونصيحتك.

3 ـ احفظ لسانك من الزلل ، فاطرد من قاموسك اللغوي جميع الألفاظ التي قد تسيء للآخرين .

فعن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" . رواه الشيخان .

وعن جابر بن سليم قال : قلت : يا رسول الله ! اعهد إليّ ، قال : "لا تسبنّ أحدا" قال : فما سببت بعد حُرا ، ولا عبدا ، ولا شاة ولا بعيرا . رواه أبو داود ، وأحمد ، وابن حبان ، والحاكم وصححه ، ووافقه الذهبي ، وهو كذلك .

فتأمل ـ رحمني الله وإياك ـ كيف جاهد جابر بن سليم نفسه ، فعف لسانه عن سب الإنسان والحيوان !!!.

4 ـ قدم حسن الظن بين يديك ولا تعجز ، واجتهد في تخريج أخطاء الآخرين على المخارج الحسنة.

فعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال : "ضع أمر أخيك على أحسنه، ولا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شرا أنت تجد لها في الخير محملا ، ومن عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء الظن به" .

5 ـ تذكر أن السب والشتم حجة الجاهل ، فمن طال لسانه ، صغر عقله، وأن العقلاء ينظرون لسليط اللسان بأنه من أصحاب الأمراض النفسية ، وعديم التربية، كما ينظرون للفظ غليظ اللسان بالآدمي السيئ الخلق الذي يجب تجنبه.

فعن عائشة مرفوعا : "إن شر الناس منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره" . رواه البخاري وغيره .

6 ـ أكثر من قراءة سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والصحابة ، والسلف الصالح ، وكتب الرقائق وتهذيب النفوس .

،7 ـ لا تكتب وأنت في حالة انفعال وغضب وإن كتبت فلا ترسل ما كتبته حتى تعيد النظر فيه وتتأمله ، فتحرر الألفاظ والعبارات التي قد تنفر الآخرين.

8 ـ استحضر عقلك في الكتابة ، واستبعد العاطفة ، فأغلب مبعث الفظاظة واللجاجة العاطفة والانفعال ، وهذان يقهرهما التعقل .


ولا يزع النفس اللجوج عن الهوى من الناس إلا وافر العقل كامله

قال القرطبي في "تفسيره" 11/45 : "قيل إن الخضر لما ذهب يفارق موسى قال له موسى : أوصني . قال : كن بساما ولا تكن ضحاكا ، ودع اللجاجة ولا تمش في غير حاجة ، ولا تعب على الخطائين خطاياهم ، وابك على خطيئتك يا بن عمران" .اهـ .
[b]

موضوع مميزو قيم بارك الله فيك...
و كما يقال لو كنت فظا غليظ القلب لانفظ الناس من حولك
و لدلك يجب كسب الناس بالرقة لا بالفظاظة...