في حوار جمع بيني وبين صديقتي أخبرتها من خلاله عن رجل بسيط كان يمشي في الشارع قرب بستان يتوسطه فلاح مجتهد.
الرجل أعجب بالفلاح وبستانه جدا. لكنه لا ولم يملك يوما ما من شأنه أن يغرس الأمل في قلبه بمشاركة هذا الفلاح فلاحته، نظر إلى السماء وقال:
اللهم أنت تعلم ما بنفسي فوجهني إلى حيث تحب وترضى.
في اللحظة ذاتها آلمه رأسه جدا إثر ارتطامه بشيء صلب، ودهشته كانت كبيرة حين عرف أن هذا الشيء هو كيس كبير مليء بالنقود نزل عليه من السماء.
لم يتردد الرجل وقصد الفلاح وعيناه تملؤهما دموع الفرح، أخبره عن مدى إعجابه بالحقل وصاحبه ومدى سعادته إن قبل الرجل أن يجعل منه شريكا له في حقله مقابل ذلك الكيس .
أبدى الفلاح تعجبا من تصرف الرجل وأخذ ينبهه:
أموالك كثيرة تكفي لشراء الحقل كله وتزيد.
قال الرجل : كلا أحب وجودك داخل حقلك، وتكفيني مشاركتك.
يضيف الفلاح الأرض قد لا تنبت زرعا فهي...يقاطع الرجل أقبل .
يستمر الفلاح لكنّها ... يقول الرجل بصوت أعلم أعلم أعلم وأقبل، فأنا أحببتك وأرضك كما أنتما وعلى حالكما الذي أراه الآن.
أخذ الفلاح كيس النقود ولم يعد إلى الأرض بعدها، في هذه الفترة كان الرجل يزور الأرض باستمرار ولا يشعر بما كان يشعر تجاه نفس الأرض، التي أخذت تذبل وتحزن ونباتها يموت ويتلاشى. والرجل واقف ينظر لا يعرف ما العمل أوووووووووف إنه وضع محرج جدا يقول الرجل.
ليعود الفلاح بعد غياب.
فرحة الرجل بعودة الفلاح إلى أرضه أنسته أن يسأله عن سبب غيابه عنها، فقط حمد الله جدا لعودة الفلاح.
لكن فرحته لم تدم طويلا لأن الفلاح عاود الغياب. ثبت الرجل في مكانه من شدة ذعره أن يطيل الفلاح الغياب مرة أخرى، بعد تردد دام أسابيع قرر هذه المرة أن يترك المزرعة دون عودة علّ الفلاح لم يحب شراكته أو لم تسعده رفقته. قاطعتني صديقتي من فضلك لا تكملي
عن أي طرطور تتحدثين؟
وأي مشاعر تقصدين؟
وإلى أي مبادئ ترمين؟
أنا لم أسمع في حياتي عن إنسان أغرب من هذا الرجل, فالفلاح أخذ ما يكفيه من الأموال للرحيل، وعودته لم تكن إلاّ لأنه نسي شيئا داخل الحقل والغبي وحده ينتظر في العراء.
أخبرتها أن لا تستعجلي فمازال في الأمر بقية.
تنفست الصعداء وقالت أكملي.
أخبرتها أن الرجل المسكين قبل أن يرحل قرر أن يعاين الحقل الذي عشقه مرة أخيرة، أخذ يدور داخله ويدور وفي كل مرّة يجد لافتة مكتوب عليها:
سئمت المحاولات، الحقل غير صالح للزرع، النبات يكره هذه الظروف، تربة الحقل تحمل مواد سامة.......
ليجد نفسه بعدها أمام لافتة كبيرة مكتوب عليها: أمضيت نصف عمري أحاول زرع هذه الأرض ولم أفلح. وما أعجبك لم يكن نباتا بل كان جهدي الذي بذلته من أجلها، النقود التي نزلت عليك من السماء كنت أنا من رماها عليك لأن صوتك كان مرتفعا جدا وصل إلى مسامعي، ولم أجد طريقة أفضل من هذه كي أتخلص من لعنة هذا الحقل، زيارتي للحقل كانت بدافع تأنيب الضمير. فأنا أعلم أنك لن تستطيع التخلص من هذه اللعنة إلاّ ببيع هذا الحقل الذي لن تجد له مشتريا أبدأ.
فرحتك أنستك أن تقرأ بنود العقد، وقوانين حماية البيئة تمنعك من إهماله، وإلا أمضيت عمرك في السجن.
صرخ الرجل بأعلى صوت ممكن:
الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء .
قالت صديقتي : في التأني السلامة وفي العجلة الندامة. إدفع الآن أيها الغبي نتائج النظر إلى ما في يد غيرك،
اللهم إنا نسألك الرضا والقناعة يا رب العالمين
ملاحظة : قد تكون للحكاية بقية، إن كان كذلك فلابد من أن يأتي اليوم الذي تتضح فيه معالم نهايتها. إلا ذلك الحين أتمنى على الرجل أن يستطيع تسيير أمور الحقل وأن يحافظ على شيء من مبادئه ومشاعره تجاه الأرض التي لم يستطع إلى اليوم نبذ فلاحها لكنه فقط يمقت السموم المستفحلة فيها.
القصة من نسيج الخيال المحض