أميّة واحدة أم أميّات متعدّدة ..؟
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ :« الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ »الطبراني
وفي رواية لابْنِ عُمَرَ , رضي الله عنهما ، قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم عَاشِرَ عَشَرَةٍ ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، مَنْ أَكْيَسُ النَّاسِ وَأَحْذَرُ النَّاسِ ؟ قَالَ : أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا ، وَأَشَدُّهُمُ اسْتِعْدَادًا لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ ، أُولَئِكَ هُمُ الأَكْيَاسُ ، ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَكَرَامَةِ الآخِرَةِ. الطبراني
الشائع بين الناس أن الإسلام جاء لمحو أمية العرب المتعلقة بالقراءة والكتابة وحسب إلاّ أن الدارس لنصوص القرآن والسنة يجد أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم جاء ليمحو أنواعا عديدة من الأميات التي شاعت أشواكها بين العرب عامة و عدد من المسلمين خاصة .
ومن هذه الأميات
1- أمية القراءة والكتابة: التي جاهدها الإسلام بالدعوة إلى العلم والأمر به في كثير من النصوص كما في قوله تعالى ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6)﴾
2- أمية الفكر : حيث علم المسلمين كيف يكون تفكيرهم ذكيا يحصّلون به حسنة الدنيا وحسنة الآخرة فوصفهم بالأكياس الذين لا تنطلي عليم مغريات الدنيا فتفسد عليه دنياهم وأخراهم قال تعالى ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا﴾ سورة الأعراف 162 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمُؤْمِنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ حَذِرٌ وَقَّافٌ ، مُتَثَبِّتٌ عَالِمٌ وَرِعٌ ، لَا يَعْجَلُ ، وَالْمُنَافِقُ هُمَزَةٌ لُمَزَةٌ حُطَمَةٌ ، لَا يَقِفُ عِنْدَ شُبْهَةٍ ، وَلَا يَنْزِعُ عَنْ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ كَحَاطِبِ لَيْلٍ لَا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ كَسَبَ وَفِي مَا أَنْفَقَ " الديلمي
3- أمية الجوارح : وهي تتعلق بالأخلاق والفضائل التي يفترض في المسلم أن يتجمل و يتحلى بها والرذائل التي يفترض فيه أن يتخلى عنها بما يسعده في الدارين لأن من ترك هذه الفضائل فهو العاجز المعني في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا المعنى يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله : فالعبد إذا بث بذر الإيمان وسقاه بماء الطاعات، وطهر القلب عن شوك الأخلاق الرديئة، وانتظر من فضل الله تعالى تثبيته على ذلك إلى الموت، وحسن الخاتمة المفضية إلى المغفرة، كان انتظاره رجاء حقيقيا محمودا في نفسه، باعثا له على المواظبة والقيام بمقتضى الإيمان في إتمام أسباب المغفرة إلى الموت. وإن قطع عن بذر الإيمان تعهده بماء الطاعات، وترك القلب مشحونا برذائل الأخلاق، وانهمك في طلب لذات الدنيا ثم انتظر المغفرة، فانتظاره حق وغرور.[url=#_ftn1][1][/url]قال تعالى ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ سورة مريم 69
4- أمية الوجدان : نعم فقد جاء الإسلام يعلم المسلمين كيف يفرحون ويحزنون ويرضون ويسخطون ويحبون ويبغضون فوجه مشاعرهم وهذبها بما يتوافق مع هذه الرسالة السامية التي شرفوا بها وقد وردت نصوص من القرآن والسنة تؤكد ذلك كله
عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قال صلى الله عليه وسلم « مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ »أبو داوود
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " يَا أَسْلَمُ لَا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا وَلَا بُغْضُكَ تَلَفًا "، قَالَ: قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ ؟ قَالَ: " إِذَا أَحْبَبْتَ فَلَا تَكْلَفْ كَمَا يَكْلَفُ الصَّبِيُّ بِالشَّيْءِ يُحِبُّهُ، وَإِذَا أَبْغَضْتَ فَلَا تَبْغَضْ بُغْضًا تُحِبُّ أَنْ تُتْلِفَ صَاحِبَكَ أَوْ تُهْلِكَ "(عبد الرزاق ، والخرائطي في اعتدال القلوب)
عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ ، أَنَّ عَلِيًّا ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا ، وَابْغَضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا " البخاري في الأدب المفرد
هكذا تمحو أنوار السماء وهداية سيد الأرض والسماء ﷺ كل أنواع الأميات التي قد تعتلّ بها أمة الإسلام في أفرادها أو أسرها أو مؤسساتها لتجعل من المسلم عنوانا صحيحا على دينه يستقيم به سلوكه ويسعى بنوره في استقامة غيره آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر وبذلك يتحقق المسلمون في الشرق والغرب بأستاذية العالم والشهادة على الناس مصداقا لقوله تعالى ﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ الحج 78 .
[url=#_ftnref1]
[1][/url] الجانب العاطفي من الإسلام ص 198