معنى القصص:
القص: تتبع الأثر. يقال: قصصت أثره: أي تتبعته، والقصص مصدر، قال تعالى: {ارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً} (الكهف64), أي رجعا يقصان الأثر الذي جاءا به. وقال على لسان أم موسى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} (القصص/11), أي تتبعي أثره حتى تنظري من يأخذه. والقصص كذلك: الأخبار المتتبعة, قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}(يوسف/111).
وقصص القرآن: أخباره عن أحوال الأمم الماضية، والنبوات السابقة، والحوادث الواقعة – هناك من يعد الحوادث الواقعة من القصص، وهناك من لا يدرجها ضمنها.
أنواع القصص في القرآن:
والقصص في القرآن ثلاثة أنواع:
النوع الأول: قصص الأنبياء، وقد تضمن دعوتهم إلى قومهم ، والمعجزات التي أيدهم الله بها ، وموقف المعاندين منهم ، ومراحل الدعوة وتطورها وعاقبة المؤمنين والمكذبين . كقصة نوح، وإبراهيم، وموسى، وهارون، وعيسى، وغيرهم من الأنبياء والمرسلين، عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام.
النوع الثاني: قصص قرآني يتعلق بحوادث غابرة، وأشخاص لم تثبت نبوتهم، كقصة طالوت وجالوت، وابني آدم، وأهل الكهف، وذي القرنين، وقارون، وأصحاب السبت،وأصحاب الفيل ونحوهم.
النوع الثالث : قصص يتعلق بالحوادث التي وقعت في زمن رسول الله ( كغزوة بدر واُحد في سورة آل عمران ، وغزوة حنين وتبوك في التوبة ، وغزوة الأحزاب في سورة الأحزاب ، والهجرة ، والإسراء ، ونحو ذلك. لم يعد الطاهر بن عاشور هذا القسم من القصص،حيث قال:" والقصة: الخبر عن حادثة غائبة عن المخبر بها، فليس ما في القرآن من ذكر الأحوال الحاضرة في زمن نزوله قصصا مثل ذكر وقائع المسلمين مع عدوهم" وللجمع بين القولين يمكن اعتباره قصصا لمن جاء بعد زمن التنزيل.
فوائد قصص القرآن:
وللقصص القرآني فوائد نجمل أهمها فيما يأتي :
1- إيضاح أسس الدعوة إلى الله ، وبيان أصول الشرائع التي يبعث بها كل نبي : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ )(الأنبياء : 25)
2- تثبيت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلوب الأمة المحمدية على دين الله وتقوية ثقة المؤمنين بنصرة الحق وجندة ، وخذلان الباطل وأهله: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (هود: 12).
3- تصديق الأنبياء السابقين وإحياء ذكراهم وتخليد آثارهم .
4- إظهار صدق محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته بما أخبر به عن أحوال الماضين عبر القرون والأجيال .
5- مقارعته أهل الكتاب بالحجة فيما كتموه من البينات والهدى ، وتحديه لهم بما كان في كتبهم قبل التحريف والتبديل،
6- والقصص من الأسالبيب التي يصغى إليها السامع، وترسخ عبره في النفس : (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (يوسف: 111).
7- بيان حكم الله تعالى فيما تضمنته هذه القصص
8- بيان عدله تعالى بعقوبة المكذبين، وبيان فضله تعالى بمثوبة المؤمنين
10- تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عمّا أصابه من المكذبين له لقوله تعالى : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ)(الحج/42)
11- ترغيب المؤمنين في الإيمان بالثبات عليه والازدياد منه إذ علموا نجاة المؤمنين السابقين وانتصار من أمروا بالجهاد وتحذير الكفار من الاستمرار في كفرهم.
13- إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلّم فإن أخبار الأمم السابقة لا يعلمها إلا الله عز وجل لقوله تعالى : (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)(هود/49)
تكرار القصص وحكمته:
يشتمل القرآن الكريم على كثير من القصص الذي تكرر في غير موضع ، فالقصة الواحدة قد يتعدد ذكرها في القرآن.
ومن القصص القرآنية مالا يأتي إلا مرة واحدة مثل قصة لقمان وأصحاب الكهف ومنها ما يأتي متكررًا حسب ما تدعو إليه الحاجة وتقتضيه المصلحة ولا يكون هذا المتكرر على وجه واحد بل يختلف في الطول والقصر واللين والشدة وذكر بعض جوانب القصة في موضع دون آخر.
ومن حكمة هذا:
1- بيان بلاغة القرآن في أعلى مراتبها . فمن خصائص البلاغة إبراز المعنى الواحد في صور مختلفة ، والقصة المتكررة ترد في كل موضع بأسلوب يتمايز عن الآخر، ولا يمل الإنسان من تكرارها ، بل تتجدد في نفسه معان لا تحصل له بقراءتها في المواضع الأخرى.
2- قوة الإعجاز: فإيراد المعنى الواحد في صور متعددة مع عجز العرب عن الإتيان بصورة منها أبلغ في التحدي .
3- الاهتمام بشأن القصة لتمكين عبرها في النفس ، فإنّ التكرار من طرق التأكيد وأمارات الاهتمام . كما هو الحال في قصة موسى مع فرعون ، لأنها تمثل الصراع بين الحق والباطل أتم تمثيل
4- اختلاف الغاية التي تساق من أجلها القصة: فتذكر بعض معانيها الوافية بالغرض في مقام ، وتبرز معان أخرى في سائر المقامات حسب اختلاف مقتضيات الأحوال.
5- بيان أهمية تلك القصة لأن تكرارها يدل على العناية بها.
6- مراعاة الزمن وحال المخاطبين بها ولهذا تجد الإيجاز والشدة غالبًا فيما أتى من القصص في السور المكية والعكس فيما أتى في السور المدنية.
7- ظهور صدق القرآن وأنه من عند الله حيث تأتي هذه القصص متنوعة بدون تناقض.
التربية بالقصص القرآني:
للقصة في التربية الإسلامية وظيفة تربوية لا يحققها لون آخر من ألوان الأداء اللغوي.
ذلك أن القصة القرآنية تمتاز بميزات جعلت لها آثارًا نفسية وتربوية بليغة, وتتجلى أهم هذه الوظائف فيما يلي:
1) ـ تشد القصة القارئ، وتوقظ انتباهه، دون توان أو تراخٍ، فتجعله دائم التأمل في معانيها والتتبع لمواقفها، والتأثر بشخصياتها وموضوعها حتى آخر كلمة فيها.ففي مطلع قصة يوسف مثلاً، تعرض على القارئ ( رؤيا يوسف عليه السلام ) بصحبها وعد الله على لسان أبيه ، بمستقبل زاهر
2) ـ تتعامل القصة القرآنية والنبوية مع النفس البشرية في واقعيتها الكاملة، متمثلة في أهم النماذج التي يريد القرآن إبرازها للكائن البشري، ويوجه الاهتمام إلى كل نموذج بحسب أهميته ، فيُعرض عرضًا صادقًا يليق بالمقام ويحقق الهدف التربوي من عرضه ، ففي قصة يوسف ـمثلا ـ يعرض نموذج الإنسان الصابر على المصائب في سبيل الدعوة إلى الله ونموذج إخوة يوسف: تدفعهم الغيرة والحسد والحقد إلى المؤامرة والمناورة
3) تربي القصة القرآنية العواطف الربانية عن طريق إثارة الانفعالات كالخوف والترقب، وكالرضا والارتياح والحب والكره، وعن طريق توجيه جميع هذه الانفعالات حتى تلتقي عند نتيجة واحدة هي النتيجة التي تنتهي إليها القصة.
4) تمتاز القصة القرآنية بالإقناع الفكري بموضوع القصة