لكل الحيوانات مأوى تأوي إليه، فللطائر وكره وللسبع عرينه وللنحل خلاياه ، ويكاد يكون هذا المأوى أعز شيء عندها، فما أسعد الطائر (يرفرف بجناحيه) يروح ليلا إلى وكره وما أخوفه إذا اقترب أحد منه فهدّد بيضه أو فرخه، وما أضرى السبع إذا قصد أحد عرينه.لاشيء يثير الخوف والغضب عند هذه المخلوقات أكثر من أن يمس بسوء مأواها.
كذلك الإنسان يحب أن يكون بيته أعز بقعة على الأرض عنده. إن علاقة الإنسان ببيته أقوى من علاقة الحيوان بمأواه، ذلك لأن حاجة الحيوان الصغير إلى أبويه قليلة إذا قيست بحاجة الطفل، فصغار الطيور مثلا بعد أسابيع قليلة (تقوى) وتطير وتفارق عشها وتستقل بنفسها،وتبني عشا خاصا بها، وتضعف علاقتها بآبائها إن كان ثم علاقة. أما الطفل فلا بد له من سنين طويلة حتى يستطيع (أن يستقل بنفسه)، وإذا استقل فلا تزال العلاقة بينه وبين أسرته قوية ومتينة، فهو يحتاج إلى زمن أطول حتى يتسلح للكفاح في هذا العالم، ويؤدي واجبه.
في هذا البيت يتعلم الطفل أهم دروس الحياة، ولو خرج إلى العالم قبل أن يستكمل تربيته المنزلية لكان وحشا. فالبيت في الحقيقة هو أكبر ممدّن له.
في هذا البيت يتعلم كثيرا من الدروس، فمن حبه لإخوته وأخواته ووالديه يتعلم درس حب الحياة وحبه وطنه، ومن طاعته لوالديه يتعلم طاعة قوانين البلاد وقوانين الأخلاق.
وإذا كان للبيت من المنزلة ما بيّنّا كان علينا نحوه واجبات نجملها فيما يأتي :
يجب على كل فرد في الأسرة أن يعمل على أن يكون بيته أسعد مكان، فخشونة المعاملة وخشونة القول والإساءة وإثارة الشحناء ونحو ذلك، كل هذه إن كانت خارج البيت رذيلة فهي في البيت أرذل.
« أحمد أمين