خديجة بنت خويلد

كانت تدعى في
الجاهلية الطاهرة، تزوجت مرتين باثنين من
سادات العرب وأشرافهم. وكانت امرأة ذات مال وتجارة تصل حتى إلى الشام شأنها شأن
الكثير من أعزاء قومها ، وكانت تستأجر الرجال وتدفع المال مضاربة. فلما بلغ محمد
بن عبد الله بن عبد المطلب خمسا وعشرين سنة وليس له اسم بمكة إلاّ الأمين أرسلت
إليه خديجة بنت خويلد تسأله الخروج إلى
الشام في تجارتها، وبعثت إليه تعرض ضعف ما أعطاه قومه، فقبل ذلك منها وخرج في
تجارتها فباعها واشترى أخرى وقدم بها فربحت ضعف ما كانت تربح. وكان محمد يرعى
الغنم، فاستعلاه فكان في الإبل هو وشريكه، فاكتريا أخت خديجة ولما فضوا السفر بقي لهم عليها شيء، ولشدة حياء
محمد طلب من شريكه أن يسوي المسألة وحده، فلما قدم أخت خديجة سألته أين محمد فقال
إنه يدّعي أنه يستحي، فأكّدت فيه ذلك بل وزادت عليه تثني بصفاته الحميدة وخصاله،
وكان ذلك على مسمع من أختها خديجة، فوقع من ذلك في نفسها شيء نحو محمد، أفضت به
إلى صديقتها نفيسة وبعثتها دسيسة تعرض على محمد نكاحها، فجاءته وعرضت عليه ما طلبت
خديجة منها، ووقع كلامها منه موقعا حسننا، وأكبر ذلك فيها وقدّره لشدّة أدبه ونبل
خلقه فحدّث في حينها به أعمامه فلم يعارضوا و ذهب بصحبة عمه أبوا طالب، وحمزة
بن عبد المطلب فدخلوا على عمها عمرو بن أسد. فقام أبوا طالب فخطب خطبة النكاح فكان
مما قال في تلك الخطبة:

أما بعد فإن محمدا
ممن لا يوازن به فتى في قريش إلاّ رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، وإن كان في
المال قل فإنما المال ظل زائل، وعارية مسترجعة، في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه
مثل ذلك.

فقال عمرو بن أسد:

هو الفحل الذي لا
يقرع أنفه، فأنكحها منه وهي في الأربعين من عمرها، فولدت له القاسم ثم رقية ثم
زينب ثم أم كلثوم ثم فاطمة، ثم هلك القاسم

ولما بلغ محمد
الأربعين من عمره وجاءه الملك جبريل وأخبره أنه نبي الله ذعر من ذلك وجعل يراه
كلما رفع رأسه، فرجع يشتد إلى خديجة فأخبرها خبره، فواسته وأخبرته أن ما جاءه صدق
لا محال، ثم انطلقت إلى بحيرى الراهب فسألته عن جبريل فقال : قدوس قدوس ما علم به
إلاّ نبي مقرب فإنه السفير بين الله وأنبيائه وان الشيطان لا يجترئ أن يتمثل به
ولا يتسمى باسمه. وطارت خديجة إلى أبي القاسم ثم ابن عمها ورقة ابن نوفل وكان قد
تنصر وقرأ من كتب التوراة والإنجيل ما يؤهله
أن يهدأ من روع خديجة بنت خويلد، ويؤكد لها أن ابن عمها لصادق وأنه ليأتيه
الناموس جبريل عليه السلام وأنه لنبي الله وعليه بالثبات، ورغم ذلك بقي في نفس
خديجة شيء من الخوف على بعلها فطلبت منه أن يخبرها حين قدوم الملك جبريل عليه
السلام إليه، ولما جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم دعاها فطلبت منه صلى
الله عليه وسلم أن يجلس على فخذها الأيسر، ثم الأيمن ثم في حجرها ففعل صلى الله
عليه وسلم ولم يكن من أمر الملك إلاّ أن بقي في مكانه لم يتزحزح، فألقت بخمارها
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها، ثم تساءلت هل تراه، فقال النبي عليه
السلام لا حينها فقط أيقنت أنه الملك جبريل وأنها تزوجت من نبي الله المصطفى,

وبعد مدّة من
الزمن نزلت على الرسول عليه الصلاة والسلام سورة المدثر فكانت خديجة أوّل من توجّه
إليها ليبلغها أن عهد النوم قد ولىّ وجاء وقت العمل والدعوة، فكانت خديجة أوّل من
آمن بالله ورسوله وصدّق رسالته التي جاء بها، وبعدها أبو بكر بن أبي قحافة وعلي بن
أبي طالب وزيد بن حارثة...

وكانت خديجة أحسن
من آزر الرسول عليه السلام في الشدائد، وأعانته على أعدائه وأعداء الأمة حتى أن
جبريل أتى النبي عليه السلام فيها يقول:

هذه خديجة قد آتتك
معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فأقرأ عليها السلام من ربها ومني
وبشرها ببيت في الجنة من نصب لا صخب فيه ولا نصب.

وفي حديث أن النبي
صلى الله عليه وسلم بينما كان جالسا مع أصحابه خطّ في الأرض أربع خطوط وقال:
أتدرون ما هذا؟

قالوا: الله
ورسوله أعلم

قال النبي صلى
الله عليه وسلم:

أفضل نساء أهل
الجنة أربع: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسيا بنت مزاحم امرأة
فرعون.

واصلت خديجة مآزرتها
للنبي صلى الله عليه وسلم حتى توفيت في
عشر من رمضان وهي بنت خمس وستين سنة. سنة عشر من البعثة بعد خروج بني هاشم من شعب
أبي طالب وبعد موت أبي طالب بثلاثة أيام
فدفنت بالحجون ونزل رسول الله صلى
الله عليه وسلم في حفرتها، ماتت وهي تآزر زوجها وتدعمه وتعاني معه الجوع والاضطهاد
في الشعاب، وفي هذا شكل من أشكال دعمها له .

الموضوع مقتبس _
بتصرف _ من كتاب نساء الصحابة لعبد العزيز
الشناوي

لو أمعنا النظر في
سيرة الطاهرة خديجة رضي الله عنها لأدركنا أن المرأة في الإسلام فكر وأسلوب حياة، هي في حدّ ذاتها منهج يُتّبع
ويُقتدى به. ولو دققنا في أعمالها وكيفية معالجتها لأمور حياتها لأدركنا
أنها امرأة صاحبة مبادئ حتى قبل الإسلام، فاختيارها للنبي زوجا لها كان مبنيا على
أساس أخلاقه وطباعه صلى الله عليه وسلم، وإيمانها بالرسالة المنزّلة على زوجها لم
يكن من منطلق حبها له بل كان مبنيا على دراسة ممحصة لشخصيته، سلوكه، وصفاته بل
وحتى على بحوث واستفسارات، فقصة نزعها
خمارها في خضرة جبريل ليست سوى دليل صريح على ذكائها ونظرتها الثاقبة، ثم تأتي
مساندتها لزوجها في تأدية رسالته النبيلة، حتى في أحلك الظروف لم تؤثر راحتها
وأولادها على مساندته صلى الله عليه وسلم. وفي القصة عبرة لأولي الألباب

خديجة بنت خويلد 945058907