يقول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز: إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون الحجرات 15
فما حقيقة الإيمان؟
الإيمان هو ما وقع في القلب وصدقه العمل.
الإيمان هو أن تعبد الله كما أنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك.
الإيمان خضوع واستسلام ويقين..... كلها مفاهيم نتلفظ بها، فهل نستشعرها حقا؟
لا يمكن ولا بأي حال من الأحوال أن نحصر مفهوم الإيمان في كونه مجرد إعلان المرء بلسانه أنه مؤمن، بل يتعداه إلى كونه تصديق القلب بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، التصديق المطمئن الثابت الذي لا يضطرب، والعمل على ترجمته في أفعال وتصرفات تؤكّده . فالقلب متى تذوق حلاوة الإيمان واستشعره واطمأنّ إليه وثبت عليه لا بد من أن يندفع لتحقيقه في خارج القلب ، وفي واقع الحياة ودنيا الناس، وفي هذا شكل من أشكال صدق المرء مع نفسه و توحيده بين ما يستشعر في باطنه من حقيقة الإيمان وما يحيط به من ظاهره من مجريات الأمور وواقع الحياة. والقرآن الكريم كثيرا ما يعرضه في أخلاق حية وأعمال ناصعة يميّز المؤمنين عن المنافقين . فالإيمان المنجي للعبد هو التصديق بكل ما أمر الله تعالى به والنطق به والإشهاد عليه، وهو بذلك ترجمة لكل ما حوته الشريعة وما جاء به الشارع الحكيم من عبادات مزكية للنفوس، مطهرة للأرواح، شاحذة للهمم، زارعة للأمل... إذ نجد من العلماء من أكّد على كونه دعوى لا ثبت لصاحبها ما ادعاه إلاّ ببينة عليها واضحة، وهذا استنادا على قوله صلى الله عليه وسلم : والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن. قيل: من يا رسول الله. قال: الذي لا يؤمن جاره بوائقه متفق عليه
و قوله أيضا لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه
وبهذا نرجح قول أن البينة على دعوى الإيمان هي استقامة القلب على حب الله ورسوله وحب ما يحب الله ورسوله، واستقامة اللسان على ذكر الله وقول الحق وهجر ما يكره من سيء القول و فاسده، واستقامة الجوارح على فعل ما يحب الله ورسوله، والبعد التام عما يكره الله ورسوله. هذا انطلاقا من مبدأ أنه لكل شيء حقيقة فمن قال إني محب لله ورسوله عليه أن يبين حقيقة حبه، ومن قال إني مؤمن بهما عليه أن يبين حقيقة إيمانه هذا. وبيان حقيقة الإيمان تظهر من خلال التصديق على المشاعر بالعمل، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكمل عبد الإيمان بالله حتى يكون فيه خمس خصال:
التوكل على الله
التفويض إلى الله
الصبر على بلاء الله
التسليم لأمر الله
والرضا بقضاء الله
إنه من أحب الله، وأبغض الله، وأعطى الله، ومنع الله، فقد استكمل الإيمان
و عن عبد الله بن معاوية الغاضري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من فعلهن فقد طَعِمَ طَعْمَ الإيمان
من عبد الله وحده
وأنه لا إله إلا الله
وأعطى زكاة ماله، طيبة بها نفسه، رافدة عليه كل عام ، ولا يعطي الهرمة، ولا الدرنة، ولا المريضة، ولا الشرط، ولا اللئيمة، ولكن من أوسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره
أخرجه الحاكم وصححه الترمذي
ومن بلغ هذه الصفات فقد بقد بلغ المعنى كله، والإيمان جلّه، وأدرك بذلك قمة النفع الذي يحققه، فقد صار مستشعرا لقيمة الحياة الدنيا التي بٌعِثَ فيها ، ومستمتعا بالسعادة التي يصبو إليها فالإيمان على تعريف الدكتور النابلسي: نصفه شكر ونصفه الآخر ذكر، و قد علمتنا الحياة أن أكثر الناس قلقا وضيقا واضطرابا وشعورا بالتفاهة هم المحرومون من لغة الإيمان، إنّ حياتهم لا طعم لها ولا مذاق وإن حفّت باللذات لأنهم لا يدركون لها معنى ولا يعرفون لها هدفا فكيف يظفرون مع هذا بسكينة النفس وطمأنينة القلب وانشراح الصدر. والسعادة ليست سوى ثمرة من ثمار الإيمان فهي نفحة ينزّلها الله على قلوب عباده المؤمنين من أهل الأرض.