ليست الحياة التي، نحياها إلاّ تراكم مجموعة من الأحداث المرتبطة بالأشخاص الذين نصادفهم في حياتنا وإنه لمن الضروري أن نجد لأنفسنا من بين هؤلاء أصدقاء نأنس لصحبتهم ونألف لهم، واختيار الأصدقاء يخضع للتأثيرات التي تشكلها أفكارنا، توجهاتنا، أساليبنا، وأحيانا الخيارات المتاحة لنا في أوساطنا. قد
نلقى في كل هؤلاء جوانب نفع ظاهرة وأخرى خفية وقد نلقى الضرر على أيديهم أيضا، ولا يمكننا و لا بأي ّ حال من الأحوال أن نجد لأنفسنا من هو نافع لنا موجه لتصرفاتنا، ملهم لأفكارنا، مطور لأساليبنا منمي لأحاسيسنا غير الكتاب، فهو خير جليس لنا يشاركنا أفراحنا، وينمي آمالنا وأحلامنا. ومهما بحث الإنسان عن اللذائذ وحرص على المتع فلن يجد بعد العبادة ما هو ألذ وأدوم نفعا من المطالعة في الكتب النافعة ، (ليس بعد ذكر الله تعالى أجل من مصاحبة الكتب
وجوانب نفع الكتاب كثيرة ومتعددة لا يمكن إحصاؤها إذ نجد منها على سبيل الذكر لا الحصر :تطوير المواهب وتنميتها ، ففن الكتابة مثلا ليس سوى تراكم مجوعة من القراءات المتتالية التي يستوعبها الذهن البشري ويطرحها على شكل نتاج أدبي ذا قيمة، وكذا القراءة والطرح والإلقاء والإقناع كلها مواهب من شأن المطالعة أن تنميها وتعززها في ظل تنمية الشخصية الفردية والتوجهات المستقبلية، فالمعلم، والمحامي، والمهندس مثلا مطالبونب الضرورة بتقوية كل هذه
الجوانب من المهارات وتحسينها. هذا وقد نجد في الكثير من الأحيان أن الاعتماد على الكتاب في تهدئة أنفسنا وتعديل مزاجنا هو أكثر نجاعة من أي دواء آخر، ولعلنا لا نجد خيرا من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم قدرة على ذلك، فتلاوة آيات الذكر الحكيم من شأنها أن تمتص ما بداخلنا من سلبية وتمنحنا قدرة عظيمة على إدراك إيجابيات الأمور،وفي هذا المقام لا يحظرني غير كلام الدكتور محمد بن عبد الرحمن العريفي حينما تعرف على الرجل الطاعن في السن زميل صبا الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز في كتابه الشهير: استمتع بحياتك
إذ جعل يردد على مسمع منه (كن ناجحا... اقلب عبوسك ابتسامة...وكآبتك بشاشة...وبخلك كرما...وغضبك حلما...اجعل المصائب أفراحا...والإيمان سلاحا...استمتع بحياتك ... فالحياة قصيرة لا وقت فيها للغم) وهو في تكملة حديثه يشير إلى أنه ما من سبيل للوصول إلى ذلك غير مصاحبة الكتب وكثرة الإطلاع.
فالقراءة من بين الأمور الأساسية التي حث عليها الشارع الحكيم إذ أن أول آية نزلت في القرآن الكريم إقرأ، وهذا لما للقراءة من فوائد عظيمة
في بناء الشخصية، وتطوير الفكر، فكثرة المطالعة تسموا بالمرء إلى إدراك مختلف الأفكار والتوجهات الذهنية والإستراتيجيات العقلية، وهذا ما يميز المثقف المطالع عن غيره ويجعل منه مقدرا لأهمية الاختلاف البشري الذي جبل عليه المرء في بناء الحضارات