في حياة الإنسان يقابل الكثير من الأشخاص الذين قد يرتاح للتعامل معهم، وقد لا يفعل، بل وفي كثير من المواقف يجد نفسه مستغربا من كونه أحب فلانا أو أبغضه دون سبب وجيه يذكر. هذا ما يسميه العلماء بالانطباع الأول الذي من شأنه أن يؤثر في مسير علاقاتنا مع الآخرين ، ولكن على أي أساس يتم هذا القبول أو الرفض؟ جميعنا ندرك أن جسم الإنسان مليء بالمواد الكيميائية القابلة للتحريض والتضخم نتيجة أي تنبيه عصبي ولو كان بسيطا، وهذه التنبيهات تفتعل نتيجة تعرض الإنسان لشعور بالخوف، القلق، الحيرة، التعجب.....هذه المواد تكون في أدنى مستوى لها عندما تنظر لشخص قدم إليك وهو يبتسم في وجهك. لماذا؟ لأن هذه الابتسامة قد أزالت من ذهنك أي خوف أو قلق حول هذا الشخص. وبالنتيجة نستخلص أن الابتسامة هي أسلوب مهم لامتصاص غضب الآخرين وإشعارهم بالارتياح من معاملتنا.
تجارب كثيرة أجريت حديثاً لفهم تأثير الابتسامة على الاستقرار النفسي للإنسان، وقد تبين لهؤلاء العلماء أن وجه الإنسان يحتوي بحدود 80 عضلة، وعندما يغضب وترتسم علامات الانفعال على وجهه فإن معظم عضلات الوجه تشارك في هذا الانفعال. و الشيء اللافت للانتباه أن الابتسامة لا تكلف عضلات الوجه أي طاقة تُذكر، لأن عدداً قليلاً من العضلات يشارك فيها، بل والعضلات التي ترسم الابتسامة على وجه الإنسان تعمل عكس مدار العضلات الراسمة للعبوس. ومن هنا استنتج علماء النفس أن تكرار الابتسامة يريح الإنسان ويجعله أكثر استقراراً، بل إنهم وجدوا أن هذه الابتسامة تقلل من حالة الاكتئاب التي يمر بها الإنسان أحياناً.
ويؤكد العلماء حديثاً أن الابتسامة ينبغي أن تكون من نوع خاص، بل وتجدهم يؤلفون كتباً وأبحاثاً عن طرق الابتسامة والطريقة الفعالة لهذه الابتسامة. وقد وجدوا أن الطريقة المثلى هي أن تبتسم وأنت تنظر للشخص الذي تحدثه (ابتسامة في وجه أخيك) ، فهذا سيعطيه شعوراً سريعاً بالاطمئنان، وقد تكون هذه الابتسامة مصدر رزق بالنسبة لك إذ أنها قد تقدم لك قلب من تحب على طبق من ذهب.
يقول لنا اليوم علماء البرمجة اللغوية العصبية بأن أحد أساليب النجاح الأقل كلفة هو الابتسامة. فهي جالبة لمحبة الناس، رافعة لأذاهم، مذكرة بلقياهم إن الإنسان الذي يتبسم في وجه من حوله يمنحهم بذلك شعوراً بالاطمئنان، ويزيل الحواجز بينه وبينهم، وبعبارة أخرى فإن تكرار الابتسامة يكسب الآخرين الثقة بهذا الشخص المبتسم ، ويجعلم يذكرون بها على الدوام .
هذا ما يتعلق بعلم النفس والبرمجة البشرية، ولكن ماذا عن البرمجة النبوية الشريفة؟ وكيف نظر الرسول الأعظم إلى هذه القضية وكيف عالجها في أحاديثه؟
إن كانت الدراسات البشرية مبنية على أساس تحقيق مصلحة دنيوية مجردة، ككسب ثقة الآخرين أو الشهرة وما إلى ذلك من النفع الذي لا ينكر على طالبه في شيء، فإن الحديث الشريف يتفوق على كل هذه الاجتهادات الإنسانية في كونه يسموا بذلك إلى طلب إرضاء الذات العليا والعمل على تحقيق أوامرها والامتثال، والامتثال والخضوع والتذلل... لذلك نجده صلى الله عليه وسلم يحتسبها (صدقة)، فما أكرم هذا الدين وما أروعه
يقول عليه الصلاة والسلام مخاطباً كل واحد منا: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) سبحان الله! بمجرد أن يبتسم أحدنا في وجه أخيه فإنه يكون بذلك قد تصدق بمبلغ من المال دون أن يدفع شيئاً إنه أسلوب نبوي كريم لمن لا يملك المال. و من منا لا يتمنى أن يتصدق كل يوم بمبلغ من المال من دون أن يدفع شيئاً؟ إنها طريقة علمنا إياها سيدنا صلى الله عليه وسلم، واعتبرها العلماء حديثاً أسهل طريقة للنجاح وكسب ثقة الآخرين، بل وطريقة فعالة لعلاج الاكتئاب......
موانع الابتسامة :
يقول الشاعر :
هشت لك الدنيا فمالك واجماً *** وتبسمت فعلام لا تتبسم
إن كنت مكتئباً لعزُ قد مضى *** هيهات يرجعه إليك تندم
قد يجد الباحث في العلوم النفسية والتقلبات الفكرية مجموعة من الأسباب التي من شأنها أن تمنع الإنسان عن التبسم في وجه أخيه نذكر من بينها:
1. الظن أن ذلك من الجدية : يخطأ معظمنا حين يعتقد أن العبوس جزأ من جديته التي قد يفقده التبسم إيّاها، والتي هي من كمال دينه. حيث أن الناس جبلوا على الميل والمحبة لمن يبش في وجوههم، وهذا من الفطرة السليمة التي أوردها الحق تبارك وتعالى في خُلد كل منّا. وأما ما يتعلق بالجدية فإنه لا يوجد أكثر من جدية الرسول صلى الله عليه وسلم، وها نحن نجده حين البحث في سيرته العطرة بشوشا مبتسما.
عن سماك بن حرب قال : قلت لجابر بن سمرة : أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : ( نعم كثيراً ، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت قام ، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية ، فيضحكون ، ويبتسم ) رواه مسلم . ولم يكن هذا التبسم لينقص من مكانته صلى الله عليه وسلم وإنما هو اللطف الذي ما خالط شيئاً إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه .
2. الخوف من قسوة القلب : يتداول على مسامعنا كثيرا أنّ النبي الكريم قد أخبرنا أنّ كثرة الضحك تميت القلب، فنخلط بهذا بين الضحك وكثرته، فكثرته هي المميتة، لكن وجوده المعتدل مهم جدا لتقويم النفس وإزالة الهم، والتعبير عن محبتنا للآخرين وارتياحنا لوجودهم..... وعلينا الانتباه جيداً إلى شاطحات الزهاد فإنها كثيرة كقولهم : ( ما ضحك فلان قط ) أو ( ما رأي فلان إلا مهموماً ) فهذا خلاف الفطرة والسنة النبوية .
3. ظروف النشأة : لها دور كبير في حياة الإنسان ، فمن يولد بين أبوين غضوبين تقل الابتسامة على محياه ، فلا تراه مبتسماً أبداً ، وهذا تبعاً للظروف البيئية التي تحيطه .
4. طبيعة الإنسان العصبية ، وكثرة سوء الظن عنده ، وتعامله الصعب، وكثرة مشاكله، وتعلقه الزائد بالدنيا، وسعيه الحثيث لتحصيلها، كلها عوامل تدفع الإنسان إلى قلة التبسم .
وفي هذا كله لا يسعنا إلاّ أن نعمل بقول الشيخ عبد الحميد البلالي عن الاستسلام للتجهم والحزن : (لابد أن تكون لنا إرادة قوية تتعالى على الهم والمصيبة ، ولنتذكر أننا لن نغير شيئاً مما قدره الله تعالى علينا بغضبنا وهمنا وعبوسنا ، وأننا سنخسر الكثير من صحتنا عندما نغضب ونخسر الآخرين عندما نعبس وقد نخسر الدين عندما يتجاوز الهم والغضب إلى الاحتجاج على قدر الله تعال . ولنستيقن دائماً بالقاعدة التي أخبرنا بها سيدنا ومعلمنا عليه أفضل التسليم ( إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ) فإذا لم تكن البشاشة من طبعنا فلنتعلم كيف نبتسم ولنحاول أن يكون ذلك من طبيعتنا بعد أن نتذكر ثمار الابتسام والضحك ) كتيب ابتسم ، عبد الحميد البلالي ص 60 بتصرف
فاحرص أخي الكريم على الابتسامة الصادقة الصافية التي تعكس ما في القلب من محبة وتآلف ولتحذر من الابتسامة المصطنعة التي تخفى وراءها الأحقاد .